محمد البهنساوي يكتب: آثارنا بين الكنوز الخفية.. والتسويق المطلوب !!

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

في حديقة متحف برلين , تقام نوعية خاصة من الحفلات المميزة والثرية مضمونا ومردودا ماديا للمتحف , وأهم عوامل ترويجها أنها على بعد امتار من قاعات الآثار الفرعونية بالمتحف و قاعة الأيقونة الفرعونية الخالدة لرأس نفرتيتي

وفي متحف ميلانو حضرت عدة مرات حفلات داخله ويتم ترويجها ايضا بقاعة الآثار الفرعونية ,الأمر تكرر معنا بحفلات رسمية اقيمت بمتاحف وأماكن أثرية وتاريخية عديدة حول العالم , تدر هذه الحفلات على تلك المتاحف والمزارات ملايين الدولارات

 ومن العجب أن معظم تلك الأماكن وغيرها حول العالم تروج لحفلاتها بإسم ما تضمه من آثار فرعونية سواء حصلت عليه بشكل رسمي أو غير قانوني ، في حين ظلت حصيلة مثل تلك الحفلات لعقود صفر كبير بمصر منبع تلك الكنوز وأصل الحضارة والآثار والتاريخ في العالم , والأدهى أننا كنا نتباهى بهذا الصفر , ونفتخر بغلق متاحفنا من الظهر وتظل طرقاتها وحدائقها مظلمة معظم اليوم , وحين كنا نسأل عن السبب , لم نجد إجابة مقنعة أو وافية , وتظل الحسرة على الملايين الضائعة وغيرها من الفوائد بسبب هذا التصرف الغريب

اليوم , وضمن عديد من القرارات الجريئة التي لم يتردد الرجل في إتخاذها , ومن بين التابوهات الغير مفهومة التي أقدم على تحطيمها بجرأة , إقتحم الدكتور خالد العناني وزير السياحة والأثار هذا الملف , إقامة المناسبات والأحداث المختلفة في مواقعنا الأثرية و بتعاون وتنسيق مع القطاع الخاص المتخصص بهذا المجال , لكن بالطبع وفق  شروط وضوابط وأهداف ايضا

ربما تملكتنا المفاجأة عندما تم تخصيص جزء من منطقة الأهرامات لإقامة مطعم مفتوح واجهته أهم منطقة أثرية في العالم , ولم نفق من المفاجأة حتى وصلتنا دعوات حفلات ومؤتمرات داخل قلعة صلاح الدين أو قصر الأمير محمد علي بالمنيل ، وبدأنا نتردد على متحف الحضارات لحضور حفلات واجتماعات ومناسبات مختلفة وسط لوحة فنية وتاريخية رائعة افتتحها الرئيس مؤخرا , وأخيرا كانت هناك مناسبة مهمة حضرتها بقلب المتحف المصري بالتحرير في سحور رمضاني على أنغام هادئة ووسط أجواء لا مثيل لها في العالم , ويصعب وصف روعة المشهد وأنت في قلب المتحف العتيق وأمامك بانوراما لأشهر ميدان بمصر ، وتحيط بك الروعة والجمال من كل جانب بعد الجهد المتميز للغاية من الدولة في إنارة ميدان التحرير باعلى واجمل التقنيات العالمية

الوقفة المطلوبة 

وهنا الوقفة المطلوبة , إذا كانت الدولة لا تبخل علي خطط التطوير والتحديث بكل بقعة بمصر , فماذا ننتظر لإستغلال تلك الجهود وتحقيق مردود إقتصادي منها , ولماذا هذا التأخير في إستغلال كنوزنا الأثرية والحضارية بصورة تبهر العالم وتروج لمصر وتحقق في نفس الوقت دخلا وفيرا ؟ , لنجد الإجابة وكلمة السر هي جرأة القيادة السياسية التي اقتحمت العديد من المجالات التي كانت تعاني موتا سريريا ولم يكن هناك أمل في إقامتها , لا نبخس بالطبع جهد وزير السياحة والآثار في هذا الملف وفتح متاحفنا على مدار اليوم لكافة الأنشطة السياحية والأثرية والثقافية وغيرها , لكن وبكل صراحة وبلا أي رياء لم يكن لينجح الوزير في تنفيذ رؤيته تلك إلا في ظل قيادة سياسية أبعد ما تكون عن الأيدي المرتعشة والتي تقدم على كل ما يفيد طالما اننا نتجنب الضرر

وهذه النقطة الثانية المهمة , فإذا كنا هنا ننادي بفتح متاحفنا ومزاراتنا الأثرية أمام الجمهور لإقامة الأنشطة الفنية والثقافية والسياحية التي تناسب تلك الأماكن , فإننا نؤكد علي ضرورة أن يتم كل ذلك بحساب شديد , يراعي حرمة الآثار وقدسيتها , وبناء على دراسات تضمن عدم وجود أي أثر سلبي عليها , واثق تمام الثقة أن وزارة السياحة والآثار تفعل هذه الاشتراطات 

طاقة الأمل ومناجم الذهب

وإذا كنا قد أشرنا هنا إلى متحف برلين وقاعة ميلانو وحديقة اللوفر مثلا , وإذا كانت كل دولة تتفاخر بمكان أو إثنين تقيم فيها مثل تلك المناسبات والأحداث , فماذا تفعل مصر وكيف لها أن تحلم والى اين تذهب بحلمها ولديها عدد يصعب حصره من الأماكن ذات القيمة التاريخية والأثرية الرفيعة ، الصالحة لتلك الأنشطة والمناسبات , فمثلا منطقة الأهرامات تكفينا عند التحدي , و لنحصي عدد المتاحف المنتشرة في ربوع مصر , والمعابد والمزارات الأثرية التي لا مثيل لها في العالم , ثم هناك ما تتميز به مصر ونابع من تاريخها العريق القديم والمعاصر ، من ذلك علي سبيت المثال لا الحصر الوكالات " مثل الغوري وبازرعة وقايتباي و نفيسة البيضا والجوانية وغيرها العشرات " , والأسبلة " أم عباس ومحمد علي كتخدا والاسبلة العثمانية والمملوكية وغيرها " وصولا إلي المتحف المصري الكبير أيقونة متاحف العالم ومفخرته , والقلعة بالقاهرة  والإسكندرية ,

مناجم ذهب فتحتها وزارة السياحة والاثار وازالت عنها غبار الاهمال والتردد والأيدي المرتعشة ، بقي ان نحسن استغلال تلك المناجم والاستفادة منه , وخيرا فعل الوزير بفتح الباب أمام القطاع الخاص ليقتحم هذا المجال بالتنسيق التام مع الوزارة وتحت إشرافها ، وطبقا للضوابط. الصارمة التي اشرنا اليها منعًا لأي ضرر

بقي ان نشير الى عدة نقاط مهمة حتى تحقق تلك الخطوة المأمول منها , بداية لابد من إعداد كل الأماكن الأثرية المرشحة لتلك الخطوة بتأهيلها , وكل جنيه سينفق في تطويرها وتأهيلها يدر زيادة عشرات أضعافه في الدخل المنتظر , كما يجب تأهيل تلك الأماكن بصورة تناسب تاريخ كل منها , وتوفير عوامل أمان قوية لمنع أي ضرر للمكان والضيوف , ووضع ضوابط واشتراطات لما يمكن أن يشهده كل مكان من أحداث فما يصلح لمكان ليس شرطا ان يصلح للآخر كل مكان حسب هويته و طبيعته

هنا يجب استغلال القيمة التاريخية والاثرية لكل مكان مع وضع خطة تسويقية مدروسة لها في الداخل والخارج اثق انها ستحقق مردودا كبيرا للغاية ، فكما ان الافطار في متحف اللوفر والسير في الشانزليزيه حلم الملايين يجب ان نروج ايضا كنوزنا تلك وما اقوي الأساس الذي سيقوم عليه هذا الترويج كما انها نوع مهم من التوعية السياحية والاثرية

الوزير النشيط الدكتور خالد العناني بدأت مشوارا مهما ، وواجب عليك استكماله لنهايته